تاريخ كنبستي للقديس ساويرس الانطاكي

تاريخ كنيستي (122)
القديس ساويرس يدافع عن الإيمان ضد الخلقيدونيين الجدد
    #القمص_انجيلوس_جرجس

أولاً اليوليانية
رأينا بطل الإيمان القديس ساويرس الأنطاكي، الذي كان في عصر كله تعب وصراعات، فبعد خلقيدونية استطاع الشيطان أن يرمي سهم داخل الكنيسة لشقها الذي ظل حتى يومنا هذا، وكلما كان هناك آباء تدافع عن الإيمان المستقيم، كان الشيطان يحرك أشخاص تحاول أن تقدم أفكار جديدة تشق بها الكنيسة.
فأثناء تواجد القديس ساويرس عشرون عاماً في مصر، قضى فترة فيها في دير الزجاج، وبعدما عرف مكانه الخلقيدونيين مكث عند أرخن يدعي "دورثيؤس" في سخا، وهذا الأرخن كان يصرف من أمواله على الأديرة ويقوم ببناء كنائس، وكان القديس ساويرس خلال هذه العشرين سنة في مصر يجاهد بكل قوة قوى الشر، فقد كان امتداد طبيعي لآباء كنيستنا المدافعين عن الإيمان، وقد كانت كل كتاباته اقتباسات من القديس كيرلس الكبير، والقديس إغريغوريوس النزينزي، وواجه ليس فقط الخلقيدونيين والنساطرة ومنشور لاون، ولكنه أيضاً تصدي لما قام به الخلقيدونيين الجدد في كتاب يسمي بـ (المقتطفات الكيرلسية) وقد كان هدفهم أن يثبتوا أن كلامهم هو نفس فكر الآباء يؤكدوا أن فكر النساطرة والخلقيدونيين يؤكده القديس كيرلس الكبير، فقام بكتابة كتاب (محبي الحق) وفيه يرد على أفكارهم التي كانت تقتطع أجزاء من أفكار الآباء ويفسرونها حسب هواهم.
ويتصدى لفكر المهرطق (يوحنا النحوي) الذي تم ترجمة أفكاره في القرن الخامس عشر في الغرب، وهو ما بدأ يظهر تأثيره وانتشرت بعدما تبنى البعض هذه الأفكار الغريبة عن كنيستنا وإيماننا في أيامنا هذه.
وهناك مراجع عربية يُذكر فيها أن يوحنا النحوي تقابل مع عمر بن العاص، وكان هو مسئول في ذلك الوقت عن مكتبة الإسكندرية، ولكن هذا غير صحيح، فقد كان قبل دخول العرب مصر بما يقرب من 60 عاماً.
الخلقيدونيين الجدد أولاً اليوليانية:
وكان الخلاف اللاهوتي الأول بعد خلقيدونية مع صديقه (يوليانوس) وهو كان أسقف غير خلقيدوني، وصديق للقديس ساويرس، وفي عام 512م أصدر جوستين أن كل الأساقفة إما أن يوافقوا على خلقيدونية أو يتنحوا عن كراسيهم، أو سيتم سجنهم، وبدأت حملة في تعقب الآباء الأرثوذكس الحقيقين فهرب القديس ساويرس ومعه يوليانوس إلى مصر من الخلقيدونيين، وعاشا معاً في دير الزجاج.
ولكن لأن الإيمان أعلى من الصداقة، والعقيدة أعلى من العاطفة، فبالرغم من أنهم كانوا أصدقاء، ولكن يوليانوس أثناء رده على الخلقيدونيين سقط في هرطقة أخري وهي قريبة من هرطقة اوطاخي قال: "ناسوت المسيح ليس فيه أي عيب، ولم يذق الموت، بل كان موته خيالياً". وكان التعبير الشائع له أن ناسوته لم يذق الفساد وهذه الكلمة تعني لم يذق الموت.

ولقد فهم كلام القديس كيرلس إنه شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية، إنه لم يحمل الخطية كطبيعة، وقد فسرها إنه لم يحمل أي صورة من صور الضعف البشري، وهذا خطأ في فهم كلام القديس كيرلس الكبير لأنه في كتابه عن العذراء قال: "إن جسد ربنا لم يكن بأي حال من الأحوال خاضعاً للخطية، التي تخفي الفساد، ولكنه كان قابلاً للموت والدفن الحقيقي"
وكان يوليانوس غنياً فاستطاع أن ينفق الكثير لينشر أفكاره هذه. فدافع القديس ساويرس عن الإيمان القويم وقال له: "إن السيد المسيح حمل في جسده فساد الموت، وليس الفساد الذي بمعني الخطية، ولم يكن يحمل في جسده شيء فاسد لأنه بار ومات ليبررنا، ولذلك حمل في جسده فساد الموت.
وقد يرى البعض أنها قضية بسيطة ولكن الحقيقة إن هذا الفكر يفسد الإيمان والخلاص فإذا كان السيد المسيح يحمل فساد الخطية، فهذا معناه أنه ليس باراً. فقد أخد طبيعتنا ما خلا الخطية، وهذا حتى تكون الذبيحة التي على الصليب ذبيحة لأجل خطايا العالم وليس لأجل خطيئة ذاتية وبذلك تكون كافية للعدل الإلهي عن خطايانا، ولأن ناسوته متحد بلاهوته الغير محدود بغير انفصال، فصارت الذبيحة التي على الصليب ذبيحة بارة نقية غير محدود قادرة أن تفي كل خطايانا.
 لذلك فهو بار ولكنه خضع للموت بناسوته فقد ذاق الموت فعلياً وليس خالياً، فليس فساد الخطية معناها إنه يحمل خطية ولكن الفساد هو النتيجة التي حدثت في الطبيعة وهذا غير احتياجات الجسد، وقد كان يحمل الطبيعة البشرية الخاضعة لقوانين الناسوت، فكان يجوع ويعطش وينام ويموت. وكان أيضاً ناسوته خاضع للموت وإلا كيف قدم ذاته ذبيحة.
أما يوليانوس فكان يتكلم عن ناسوت مسيح خاص جداً أي إنه لا يشبهنا، إنه لا يموت، ويجتاز الموت خيالياً، وآلام المسيح كانت ظاهرية، ولم يتألم فعلياً ولم يخضع لقانون احتياجات الجسد.
وماذا عن قوله: أنا عطشان على الصليب؟!
وعن قوله لمارتوما جسني، انظر الجراح؟!
وللأسف هذه الهرطقة انتشرت داخل الأديرة، وهنا تكمن الخطورة الشديدة، لأن الأديرة تفرز لنا أساقفة وبطاركة، وهذا ما حدث فعلياً حتى أن هذه الهرطقة وصلت إلى الإسقيط، وصار هناك رهبان يطلق عليهم الـ "جيانيين" نسبة إلى جيانوس بطريرك القسطنطينية الذي تبني هذه الفكرة، وليس هذا فقط، ولكنهم تمكنوا من وضع اليد على رئيس شمامسة الإسكندرية بعد نياحة البابا تيموثاوس، وجعلوه بطريركاً يحمل الفكر اليولياني.
ووضع اليد القديس ساويرس وأساقفة مصر على ثيؤدوسيوس بعد البابا تيموثاوس.
وكان قبانوس الذي وضعوا اليوليانيين اليد عليه جلس على الكرسي أربعة شهور ثم طرد. ولكن أتباعه تجمهروا وحدثت فتنة قتل فيها ثلاثة ألف شهيداً.
 كما أنهم احتلوا أديرة وادي النطرون وصار بداخل الدير تيارين الجيانيين أو اليوليانيين والآباء أصحاب الإيمان القويم، وصار الصراع بينهم عنيفاً، وهذا ما جعل في تاريخ الأديرة نجد أن كل أديرة وادي النطرون صارت تحمل اسم العذراء، أي دير العذراء البراموس، ودير العذراء السريان، ودير العذراء الأنبا بيشوي، وهذه أصحاب العقيدة السليمة التي صار اسمهم أديرة الثيؤطوكوس. وأما اليوليانين صار لهم اسم الدير ولكن بدون ثيؤطوكوس، وكانوا يستولوا على الكنائس بالعنف. وهذا ما جعل دورثيؤس ـ الذي كان يعتني بالقديس ساويرس ـ يبني داخل الأديرة كنائس للرهبان أصحاب العقيدة السليمة.
لإلهنا كل مجد وكرامة إلى الأبد آمين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بدعة كيرينثوس

مكانة المرأة في الخدمة الكنسية والحياة النسكية – د. سعيد حكيم

أسئلة عن تلاميذ السيد المسيح