عظة بعنوان (هابيل والإيمان بالناموس)بقلم: العلاًمة المتنيح نيافة الأنبا غريغوريوس(الجزء الأول)

عظة بعنوان (هابيل والإيمان بالناموس)
بقلم: العلاًمة المتنيح نيافة الأنبا غريغوريوس
(الجزء الأول)

ألقيت بكنيسة الشهيدة دميانة بالهرم مساء الأحد 8 أغسطس 1993م – 2 مسرى 1709 ش 

بسم الله القوى الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين 

الموضوع المعلن عنه فى هذه المناسبة،  ليكون موضوع تأملنا وحديثنا هو هابيل ..

هابيل هو الابن الثانى لآدم وحواء ، بعدما ولد قايين ولد هابيل، هابيل باللغة العبرانية معناه "نسمة"، وباللغة الكلدانية معناه "ابن"، على أى الأحوال هذا هو الإنسان الرابع بعد آدم وحواء وقايين ..

السبب فى مبدأ الذبيحة:
هابيل  كان تقياً، وكان إنساناً يخاف الله، واشتغل برعى الغنم، أى كان راعياً للغنم، بينما كان قايين فلاحاً للأرض، ويُذكر عن هابيل كراعى للغنم وكإنسان تقى، أنه قدم من خيار غنمه ومن سِمانها ذبيحة ، فسُر الله من ذبيحة هابيل، وشهد له، وإن كان لم يذكرها الكتاب المقدس، لكن مبدأ الذبيحة من أين أتى؟ لابد أنه أخذه من أبيه آدم، ويعتبر آدم أول من قدم الذبيحة، وهذا هو السبب فى أن مبدأ الذبيحة، سرى فى جميع أولاد آدم، سواء فى الشعب الذى عُرف بأنه الشعب اليهودى، أو حتى خارج هذه الدائرة، لذلك عُرفت الذبيحة عند اليونان وعند الرومان وعند العرب، وعند الشعوب جميعاً، فى الصين واليابان وكل بلاد العالم ..

من هنا نعرف أن الذبيحة، لابد أن يكون أول من قدمها هو آدم، ومن آدم تعلم أولاد آدم فى كل الجنس البشرى، أن يقدموا الذبيحة استرضاءاً  لله، من أين أتى لنا هذا الاستنباط؟ 

عرفنا أن آدم أخطأ، وكان قد أنذره الله، بأنه من جميع  شجر الجنة تأكل، إلاّ الشجرة التى عُرفت بشجرة معرفة الخير والشر، قال له: "يوم تأكل منها موتاً تموت"، وطبعا هذه ليست شجرة نباتية، لأنها لو كانت نباتية كان قال له عن اسمها، ولكنه لم يقل، فسماها بهذا  الاسم الغامض "شجرة معرفة الخير والشر"، مما يدل على أنها شجرة معنوية وليست نباتية.

الأمر الثانى لو كانت نباتية، كان لابد أن تكون بين الممنوعات، التى مُنعت بعد ذلك فى الكتاب المقدس، مثل لحم الخنزير وما إليها، ولكن لم يحدث أبداً أن الله منع النبات فى الشريعة، وهذه قرينة أخرى قاطعة، بأن هذه الشجرة التى نهى الله آدم، عن أن يأكل منها، لم تكن شجرة نبات، وإنما كانت شجرة معنوية، ولذلك سماها شجرة معرفة الخير والشر.  لكن فى الواقع لا توجد شجرة نباتية اسمها معرفة الخير والشر، لأن كل شجرة لها اسم، إنما شجرة معرفة الخير والشر، هى شجرة معنوية ..

المعروف أن حواء أغراها الشيطان، وأخذ يكلمها فلانت ، لانت ومدت يدها، فالشيطان لم يجبرها، إنما هى التى مدت يدها وأكلت من الشجرة، رأتها أولاً أنها شهية للنظر، ومن هنا جاءت كلمة الشهوة، فمدت يدها، فالشيطان لم يجبرها ولم يضغط عليها، هى التى مدت يدها وأخذت، ثم أعطت رجلها فأكل معها، ونتيجة لهذا آدم وحواء تعريا، وذكر الكتاب أنهما عرفا أنهما عريانان، عرفا وقبل ذلك لم يعرفا، لأن البر والفضيلة كان يغطيهما، فعلما أنهما عريانان فغطيا أنفسهما، غطيا عورتهما بورق التين، فالله كما ذكر الكتاب المقدس أخذ صورة التجسد، وهذه أول صورة من صور التجسد، قبل التجسد من العذراء مريم، يقول الكتاب المقدس: فسمع آدم وحواء صوت الرب الإله ماشياً فى الجنة، وكلمة "ماشياً" معناه أنه يوجد من أخذ صورة إنسان، وكان يمشى فى الجنة وكان لمشيته صوت، سمعا صوت الرب الإله ماشياً فى الجنة، فاختبأَ فى الجنة، وهنا رجل وزوجته مِنْ  مَن يختبئا؟ 

لابد أن يكون هناك ثالث، هذا الثالث هو الله الذى أخذ صورة إنسان، ثم مشى وكان لمشيته صوت، سمعه آدم وحواء فاختبأَ فى الجنة بين الشجر، ثم أن الله قال لآدم: آدم أين أنت؟ فأجاب قائلا: سمعت صوتك فى الجنة، فخشيت لأنى عريان فاختبأت، فقال له:  مَن أعلمك أنك عريان، هل أكلت من الشجرة التى نهيتك أن تأكل منها؟ قال له: المرأة التى أنت جعلتها معى، هى أعطتنى فأكلت، هذا هو التنصل من المسئولية ..

فربط الخطيئة بالمرأة وأتى بالذنب أيضا على الله، المرأة التى أعطيتنى، فحوّل الذنب على حواء من جهة، وعلى الله نفسه من جهة أخرى، لكى يبرىء نفسه، وهذه طريقة الإنسان، يحاول أن يتنصل من المسئولية فينسب إلى آخرين السبب، لكى يهرب من المسئولية وهذا هو الشر الذى يقع فيه الكثيرين، بدلاً من أن يقول أنا أخطأت. وهذا هو الطريق الطبيعى المفروض فى التوبة، أن أول شىء أن الإنسان يقر بخطيئته، فحتى يهوذا رجع وقال: أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً، فلا بد من الاعتراف بالخطأ وتقول أخطأت، إنما الشخص الذى يحاول أن يهرب، وينسب الخطأ إلى غيره بأنه هو السبب، هذا يغلق أمامه باب التوبة، فالله عندما قال له: مَن أعلمك أنك عريان، هل أكلت من الشجرة التى نهيتك عنها؟ قال له: المرأة التى أنت أعطيتنى هى التى أعطتنى فأكلت، فالله لم يقبل منه هذا الاعتذار، وهذا ليس اعتذار، وإنما هو تنصل، لم يقبل منه هذا التنصل من المسئولية، فقال لـه: " ملعونة الأرض بسببك، لأنك سمعت لقول امرأتك"، ليكن أنها هى التى قالت لك ذلك، لكن أنت أيها الإنسان المسئول، فلا تقول زوجتى أو غيرها، ولذلك الله لم يناقش هذه المسألة، قال له: ملعونة الأرض بسببك، لأنك سمعت لقول امرأتك، أنت إنسان مسئول فلا تحاول أن تُحَوّل المسئولية على غيرك ..

كانت نتيجة خطيئة آدم أن طرد الله آدم وحواء، جاء ذلك فى الأصحاح الثالث من سفر التكوين، ونزلا إلى الأرض، وفقد الإنسان وجوده فى الفردوس، وظل الإنسان عموماً مطروداً من الفردوس، ووضع الرب الكاروبيم ولهيب سيف متقلب، لحراسة طريق شجرة الحياة، ليمنع الإنسان من الوصول إليها، لذلك نزل كل أولاد آدم من الفردوس إلى العالم السفلى، وصرنا لا نسمع كلمة الفردوس، إلاّ فى الأصحاح الثالث والعشرين والعدد 43 من إنجيل معلمنا لوقا، عندما قال سيدنا له المجد للص اليمين: "اليوم تكون معى فى الفردوس"،  هذه الفترة الطويلة من آدم حتى صلب السيد المسيح، كان الإنسان مطروداً من الفردوس ..

يذكر الكتاب المقدس أن آدم وحواء، غطيا نفسيهما وعورتهما بأوراق شجرة التوت، والله لم يعجبه هذا الكلام فصنع الرب أقمصة من جلد وألبسهما.

من أين جاء الجلد؟ 
الجلد هو البشرة الخارجية للحيوان بعد سلخه، والمعروف أن آدم وكل البشرية لم يكن أحد منهم يأكل اللحوم أبدا، هذه الفترة من آدم حتى نوح، وتُقدّر هذه الفترة على الأقل بألفين ومائتين وستة وخمسين سنة على الأقل (2256)، عاش الإنسان نباتياً لا يأكل اللحوم، والحيوان إذا أكل حيوان يأكله بجلده، لكن هنا يقول: صنع الرب أقمصة من جلد وألبسهما، من أين جاء  بالجلد،؟ هذا دليل على أن الله علّم آدم، أن طريقة الاستغفار أن يذبح حيواناً، وطبعا  يسلخه، وهذا الجلد هو الذى يستتر ويتغطى به ،  إذن أول من قدم الذبيحة هو آدم.  والله هو الذى عَلّمه بها، لذلك  نفهم لماذا أولاد آدم فى كل البشرية قدموا الذبيحة؟، حتى اليونان والرومان والعرب وكل شعوب العالم، وكيف عرف الإنسان أن يقدم الذبيحة؟ نوح قدم ذبيحة، وأيوب قدم ذبيحة، وإبراهيم وإسحق وموسى وصموئيل وداود..، أيضا الشعوب الأخرى قدموا الذبيحة ...
إذن مَن الذى عَلّم الإنسان أن يقدم الذبيحة؟ هو الله، "صنع الله أقمصة من جلد وألبسهما" 

إذن الله فَهّم آدم طريقة الاستغفار، أن المبدأ هو تقديم الذبيحة.

لماذا؟ لأن الحكم الذى حكم به الله على آدم، "موتا تموت"، فلا بد بالقضاء الإلهى أن يموت، ولكى يعفى من الموت أو يفدى من الموت، لابد أن يموت واحد عنه، مَن هو هذا الواحد، الذى يقدر أن يفدى آدم عن خطيئته؟ هل الحيوان وهو أقل مرتبة من الإنسان، يقف شفيعاً كوسيطاً بين الإنسان وبين الله؟!! لا.. لأن الإنسان أعلى مرتبة من الحيوان، كيف يقف الحيوان وسيطاً بين الإنسان الذى هو الأعلى منه، وبين الله؟

إذن الفادى الحقيقى لم يأتِ زمانه بعد، ولكن مؤقتا حتى لا ينسى الإنسان، حاجته إلى هذا الفادى الآتى فيما بعد، يقدم ذبيحة كوضع مؤقت، ويضع يده على رأس الذبيحة، ويعترف بخطاياه، ومعنى وضع اليد على رأس الذبيحة، أنه ينقل خطاياه على هذه الذبيحة. ثم يذبح الحيوان الذى لم يعمل شىء بدلاً من الإنسان، وبهذا يفدى الإنسان من الموت والحكم بالموت، هذه كانت إشارة مؤقتة إلى الفادى، الذى لم يأتِ زمانه بعد، والذى قال عنه أحد الأنبياء: "أراه ولكن ليس الآن، أُبصره ولكن ليس قريبا".

ومرت آلاف السنين حتى جاء المسيح وقام بهذا العمل، ولذلك وضع الرب عليه إثم جميعنا. وهذا معنى أنه كما قال يوحنا مشيراً إليه،  "هذا هو حمل الله  الرافع خطيئة العالم" ..

ما معنى حمل؟ 
الحمل هو الحيوان ابن سنة ، البرىء الذى لم يصنع شيئاً ، لكن كان يقَدَم ويضع الإنسان يده على رأسه ويعترف بخطاياه، ثم يذبح الحمل بدلاً من الإنسان، لأن حكم الموت على الإنسان. فلكى يُرفع أو لكى يُفدى الإنسان من الحكم أو الموت، يضع يده على رأس الحمل، فبهذا ينقل خطيئته على الحمل، يذبح الحيوان بدلاً من الإنسان.  لكن كما قلنا أنه لم يكن مقصوداً هذا الحيوان، لأنه مستحيل أن يكون الحيوان، وهو أقل مرتبة من الإنسان، هو الوسيط بين الإنسان وبين الله. لكن لأن الفادى الحقيقى لم يأت زمانه بعد، فأصبح ذبح الحيوان بديل مؤقت. لذلك السيد المسيح اُعتبر كما قال يوحنا "هذا هو حمل الله الذى يحمل خطيئة العالم". ويقول: "أن الرب وضع عليه اثم جميعنا". وكما يقول فى إشعياء النبى: "الذى لم يعرف خطيئة صار خطيئة لأجلنا"، هذا تعبير قاسى جدا، الذى لم يعرف خطيئة، المسيح أصبح خاطىء، وليس خاطىء فقط بل صار خطيئة، المسيح يصير خطيئة التى هى خطيئتنا نحن، إنما هو الحمل، الذى حمل خطيئة العالم، فصار هو الخاطىء ونفذ حكم الموت على نفسه، لكى يعفى الإنسان، وبهذا نحن أٌعفينا، وآدم وذريته أُعفى من الحكم بالموت.

وردت فى موسوعة موضوعات وإجابات على أسئله متنوعه -  رقم (51)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بدعة كيرينثوس

مكانة المرأة في الخدمة الكنسية والحياة النسكية – د. سعيد حكيم

أسئلة عن تلاميذ السيد المسيح