محاضرة بعنوان (العلاقة بين الأحياء والراحلين)بقلم: العلاًمة المتنيح نيافة الأنبا غريغوريوس(الجزء الثالث والأخير)

محاضرة بعنوان (العلاقة بين الأحياء والراحلين)
بقلم: العلاًمة المتنيح نيافة الأنبا غريغوريوس
(الجزء الثالث والأخير)

ألقيت بكنيسة الشهيد أبى سيفين بالمهندسين (الجيزة)  مساء الجمعة 3 ديسمبر 1993م - 24 هاتور 1710 ش

العلاقة دائمة لن تنقطع بين الأحياء والراحلين :
أود أن أقول أن العلاقة بيننا وبين هؤلاء الذين عبروا، علاقة دائمة موجودة وكائنة ولم تنقطع ولن تنقطع، وجمال كنيستنا أنها دائما تُذَكّرنا بهذا، لكى لا نذكرهم ونترحم عليهم فقط بل نصلى من أجلهم، نحن نصلى من أجل الذين عبروا، حتى العذراء نصلى من أجلها، فى المجمع نقول: "هذا هو أمر ابنك الوحيد ربنا يسوع المسيح، أن نحتفل بذكرى قديسيك، تفضل يارب أن تذكر الأباء والشهداء والقديسين والسواح وبالأكثر العذراء القديسة مريم" ..

هذه مصلحتنا أن تبقى العلاقة بيننا وبينهم ثابتة، نذكرهم حتى لا ننسى أننا فى علاقة بيننا وبينهم، علاقة الأخوة، وعلاقة الأسرة، أسرة واحدة بيننا وبينهم، الموت لا يفصل هذه العلاقة وهذه المحبة الموجودة بيننا وبينهم ..

وإذن فمن الحكمة ومن العقل، أننا نستفيد منهم لأنهم أصبحوا أكثر قدرة مما كانوا، وهم أكثر قدرة منا، وعبروا بنجاح، فمن الحكمة أن نستفيد منهم ومن قربهم لله، ومن إمكاناتهم التى تزايدت وتَقَوّت، ولم يعد لا مرض ولا شواغل عالمية تفصل نموهم وتقدمهم، إذن من الحكمة أن نستفيد منهم، ومن هذه الدالة التى لهم أمام الله، لأننا نحن وهم أسرة واحدة، كما نحن على الأرض أسرة، من أب واحد وأم واحدة آدم وحواء، أيضا مفهوم الأسرة يرقى إلى هذه العلاقة، بيننا وبين الذين عبروا إلى العالم الآخر من القديسين والشهداء، هؤلاء عائلاتنا، أسرتنا، فالمحبة ثابتة بيننا وبينهم، قائمة وتظل قائمة، ومن الحكمة أن نستفيد منهم، ومن الدالة التى لهم أمام الله ..

من هنا يجب أن نشكر الله على ما فى كنيستنا، من هذا التعليم ومن هذا التراث، وشكراً لله على كل ما يمكن أن يقال عن هؤلاء القديسين، من المديح الذى نشترك به جميعا، وهذه التحيات وهذا التسبيح، وهذا الذكر لهؤلاء القديسين فهو قليل،  هو نوع من المكافأة والجزاء والتكريم، الذى يليق بهم لأنهم احتملوا، وأيضا هذا يحيى فينا الإحساس أنهم لم يعودوا رمماً ولا جثثاً محطمة، لا... فحينما نحمل رفات القديس مرقوريوس أبى سيفين، ونطوف به الكنيسة ونبخر أمامه تبخير الإكرام، ليس هذا عبادة إنما تبخير الإكرام، علامة أننا نذكرهم ولا ننساهم، وأيضا نتشفع بهم وندعوهم أن يكونوا فى معونتنا، وأكيد أكيد هناك أُناس عندهم من الجلاء البصرى، لكى يروا وراء المنظور، ويروا هؤلاء القديسين فى هذه الأيام، كيف يواصلون الصلاة وكيف يواصلون التسبيح، وكيف يواصلون المعونات التى يعاونون بها، بعضها بل أكثرها غير منظور، والقليل منها هو المنظور، فى بعض الأحيان نرى تدخلات، من بعض الشهداء والقديسين فى مواقف معينة، عند بناء كنيسة لتذليل العقبات وما إليها، فى أيام حرب، أو فى أيام شدة وضيق، لكن فى غير هذا هناك معونات لا نراها، أنت وأنت تسير فى الطريق وأنت جالس فى البيت، وأنت فى عملك، أحيانا توجد إلهامات ومساعدات وقوى، تتقوى بها لكى تسير بنجاح، فلا تستهن أيها المسيحى بهذا، وحاول أن تستفيد من هذه العلاقة، علاقة الأسرة، التى أصبحت تربطنا، ليس فقط بالأرضيين، ولكن بالسمائيين، سيدنا مرة يقول: 
"اصنعوا لكم أصدقاء بالمال الذى لا حق لكم فيه، حتى إذا فنيتم يقبلونكم فى المظال الأبدية"

أى ونحن على الأرض نُكّون صداقات، اصنعوا لكم أصدقاء، بالمال الذى لا حق لكم فيه، وهى العشور والبكور وسائر العطاء، لكن كلمة: "اصنعوا لكم أصدقاء.. حتى إذا فنيتم يقبلونكم هناك فى المظال الأبدية"، أى أننا نُكَوّن علاقة، علاقة المحبة ونحن على الأرض، نتصل بهؤلاء فنكّون صداقات، وهذه الصداقات تنفعنا حينما نخرج من هذا العالم، فلا تكون هناك إنسان غريب، ولكن تكون إنسان معروف، تجد هناك من يعرفونك لأنك كونت بينهم وبينك صداقة ..

فأنت الآن يا إنسان تقدر أن تُكَوّن هذه الصداقة، يقول: "إن سيرتنا نحن فى السموات"، ماذا يعنى هذا؟ 
يعنى أنهم يتكلمون فى سيرتنا، ويتابعوا أحوالنا، ولذلك يقول: "إن السماء تفرح بخاطىء واحد يتوب"، فمن متابعتهم لأخبارنا إذا واحد كان خاطىء فينا ثم تاب إلى الله، يفرحوا، لأن العلاقة قائمة وثابتة، فيجب أننا نؤمن بهذا ونستفيد من هذه العلاقة وهذه الروحانية ..

وشكراً لله أن فى كنيستنا هذا التراث الجميل، الذى يربطنا بالسمائيين كأسرة واحدة، ونفهم أننا لسنا وحدنا فى عالم أفضل، لكن العلاقة الروحية التى بيننا وبينهم، والتى تجعلنا باستمرار نتصل بهم، بالصلاة والدعاء والاستغاثة، كما قال أيوب الصديق: " إلى أى القديسين تلتفت "، أيوب الصديق فى العهد القديم يقول هذا، إذن نحن فى العهد الجديد نلتفت إلى القديسين  أكثر وأكثر، ونطلب معونتهم لأنهم آبائنا وأمهاتنا وإخوتنا، هذه العلاقة الموجودة ثابتة، ولن تسقط ولم تسقط، فلنحرص عليها، لكن علينا ونحن على الأرض أن نُشَرّف هؤلاء الآباء، حينما نبعد عن الأمور الدنيئة، وعن الخطايا، حتى لا يخجلوا من نسبتنا إليهم، فهؤلاء الذين عبروا علاقتنا بهم علاقة الأبوة، هم أباؤنا وأمهاتنا وأقرباؤنا وأصدقائنا ..

فإذن نجاهد فى حياتنا على الأرض، لكى نكون مؤمنين ثابتين فى الإيمان، راسخين حتى يفرحوا بنا، ويَتَشّرفوا بنا ويَشْرُفوا بنسبتهم إلينا ..

نعمة ربنا يسوع المسيح تشملنا جميعا، وشفاعة القديس العظيم أبى سيفين تشملنا جميعا، إلى جيل الأجيال، ولإلهنا الإكرام والمجد إلى الأبد آمين ..

ورد فى موسوعة موضوعات وإجابات على أسئله متنوعه .. الجزء الثانى -  رقم (52)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بدعة كيرينثوس

مكانة المرأة في الخدمة الكنسية والحياة النسكية – د. سعيد حكيم

أسئلة عن تلاميذ السيد المسيح