بعض عقائد المسيحية العظمى بقلم: العلاًمة المتنيح نيافة الأنبا غريغوريوس(الجزء السادس)

بعض عقائد المسيحية العظمى 
بقلم: العلاًمة المتنيح نيافة الأنبا غريغوريوس
(الجزء السادس)

محاضرة أُلقيت فى مؤتمر الخدمة والخدام بكاتدرائية الشهيد مارجرجس بكفر أبو النجا بطنطا فى يوم الأربعاء 23 من يوليو 1986 م - 16 من أبيب  1702 ش

وحدانية الله :
الله هو الواحد الأحد، وقد أعلن الله عن وحدانيته فى الطبيعة، أن كل الخليقة تشير بإصبعها إلى هذا الواحد الأحد، لا يوجد أحد آخر، كما قال: "أنا الأول وأنا الآخر، لم يكن قبلى إله ولا يكون بعدى إله"،  "أنا الأول وأنا الآخر"، "أنا الألف وأنا الياء"، لأن فى لغة الناس الحروف الأبجدية فى أى لغة، لها ألف ولها ياء، أو ألفا وأوميجا باليونانى، وهكذا فى كل اللغة

"أنا الألف وأنا الياء، أنا الأول وأنا الآخر، أنا البداءة وأنا النهاية"، لا مجال لإله آخر، لا مجال لكائن ثانى، والحقيقة أن مسألة الإله الآخر هى مسألة خطأ فى مخ الإنسان، عندما يرى مثلاً شر موجود، وهذا الشر يقدر أن يعمل أشياء كثيرة جدا، فاضطر الإنسان أن يؤمن بأن لهذا الشر إله، ثم تجسم وتضخم الإحساس بالشر عند الإنسان، فجعل من الشر إله آخر على نظير الله، لكن حاشا.. حاشا أن يصل إله الشر إلى هذه المرتبة، لأن من هو إله الشر؟ كلنا نسميه كما قال الرسول: إله هذا الدهر أو إله الشر هو الشيطان، لكن مَن الذى خلق الشيطان؟ الله، ولكن الله فى بعض النصوص يقول: أنا صانع الخير وصانع الشر، لكن حاشا لله أن يكون صانع الشر، بمعنى أنه العلة الأولى للشر، ولكن بمعنى أنه خلق الكائنات التى هى تعمل الشر،  فالله ليس علة أولى للشر، إنما خالق الكائن الذى انحرف فأصبح إله للشر، إنما حاشا أن يستوى هذا مع ذاك، حاشا .. حاشا

قبل أن ننسى وقد يكون فى هذا استطراد، لكن الرجل الذى كان فيه شياطين كثيرة، والمسيح أراد أن يطرد الروح النجس من هذا الإنسان، فسأله وقال له ما اسمك؟ وطبعا المسيح عندما يسأل هذا السؤال لا لكى يعرف، هذا السؤال ليس له، ولكن للناس الواقفين، قال له ما اسمك؟ قال له اسمى لجيئون، فكلمة لجيئون هى مصطلح طليانى عسكرى، وموجودة فى اللغات الأخرى، لكن "لجيئون" كلمة طليانية أو لاتينية ومعناها فيلق، وفى المصطلح العسكرى كتيبة أو فيلق هى توازى 6600 عسكرى، فهذا الرجل كان فيه 6600 روح نجس، وعندما المسيح قال له اخرج، موجها إليهم الأمر جميعا، يقول فطلبت إليه الشياطين: لا ترسلنا إلى الجحيم، إنما ائذن لنا أن ندخل فى قطيع الخنازير، هنا تظهر عظمة لاهوت المسيح، يستأذنوه قائلين: لا ترسلنا إلى الجحيم، هم فعلا فى الجحيم لكن حسب طول السلسلة، يصعدوا فوق الأرض أو فى الهواء، لأن الأرواح النجسة تصعد فى الهواء، لذلك الرسول سماه "رئيس سلطان الهواء"، فالشياطين مربوطة بقيود تحت الأبدية فى سلاسل، لكن يصعد فوق الأرض ، والمسيح قال: "يجول فى أماكن"، ومعنى الجولان أنه يتحرك، ويسكن فى الجبال وفى البشر وفى البيوت، وفى المياه وفى الهواء وفى كل مكان على قدر الإمكان، لكن هنا الكلمة "لا ترسلنا إلى الجحيم بل ائذن لنا أن ندخل فى قطيع الخنازير"، ثم يقول فأذن لهم، فدخلوا فى قطيع الخنازير، ولولا أنه أذن لهم ما كانوا يقدروا إلاّ بإذنه.. 

لذلك أقول أن من سلطان الله، الذى هو سيد الخليقة والطبيعة، أن كل شىء بإذنه، لكن ليس كل شىء بإرادته. إرادة الله تعنى أن الله يريد،  هل الله يريد الظلم ؟ لا..، لكن الظلم يحدث، هل الله يريد القتل والزنا والسرقة وما إليها ؟ لا.. إنما لا يوجد شىء يحدث بدون إذنه، نعم، يقول: عصفور لا ثمن له لا يسقط على الأرض بدون إذن أبيك، نعم.. شعرة من الرأس لا تسقط من دون إذن أبيكم، نعم، كل شىء بإذنه، نعم لأنه حاكم الكون، لكن ليس كل شىء بإرادته، كم مرة أردت أن أجمع أولادك تحت جناحى ولم تريدوا، أنا أردت وأنتم لم تريدوا، فليس كل شىء فى الدنيا بإرادة الله، كل شىء بإذنه نعم، لأنه لا يوجد شىء يحدث من دون إذن الله، لأنه هو حاكم الكون وسيد الكون

فهنا عظمة المسيح وعظمة لاهوته بالنسبة للشيطان، جماعة كبيرة مجموعة شياطين  6600 على الأقل، يقولوا له: إئذن لنا، إن شيطان واحد أو روح واحد يعذب الناس، لكن هؤلاء يستأذنوه، إذن الشيطان ليس نظيراً لله، حاشا، إنه مخلوق، ولابد أن يستأذن من السيد الأعلى، من الخالق الأعلى، من رب الوجود، من حاكم الكون، نعم. إذن لا يوجد إله آخر مع الله، ولذلك مبدأ الإثنينية ومبدأ إلهين إله للخير وإله للشر، الذين كان أهل إيران أو العجم أو الفرس أو الشراكسة أو ما إليهم يؤمنوا بهما، إلهين إله للخير وإله للشر، إله الشر هذا لا يستوى أبداً مع الله الذات العالية، لأنه هو الذى خلق هذه الكائنات، التى انحرفت وصارت مصدر للشر

الله واحد أحدٌ ولا نظير له، وليس هناك إله آخر معه، إنما ممكن أن تكون هناك آلهة تحت منه، كل شىء فى الكون يشير إلى هذا الواحد الأحد، الأزلى الأبدى الذى لا وجود لكائن آخر معه . وقد كان هناك عدد من الفلاسفة الذين لم يكن عندهم وحى إلهى، لكن كان عندهم العقل البشرى، فشغلوا العقل البشرى وحدث أنهم اختلفوا، البعض يقولوا أن أصل الكون هو النار، والبعض يقولوا أصل الكون هو الماء، وآخرون قالوا أصل الكون هو الهواء، وآخرون قالوا التراب، والبعض قالوا كل هؤلاء معا، النار والماء والهواء والتراب، كل هذا نوع من أنواع اتجاه العقل البشرى، لأنهم وجدوا أن الحرارة التى فى الكون هى مهمة جداً، فقالوا أنها هى أصل الكون، والبعض قالوا المياه، لأن كل شىء خُلق من المياه، كل هذا جزء من الحقيقة، لأن كل هذه خليقته، الماء والنار وما إليها، كل هذه زوايا، وحدث أن هذه الزوايا الصغيرة، تحولت فى نظر بعض الناس مع الجهل إلى آلهة، وسميت بالأصنام وسميت بالأوثان، ويوجد ناس عبدوا الشمس كإله، مثلنا نحن قدماء المصريين عبدنا الشمس باعتبارها أصل الوجود، ولكن أيضا أكرمنا كائنات أخرى مثل النيل وسمناه إله الماء، لكن مع هذا كله يبقى الله هو الخالق لكل هذه الكائنات، وأن هذه مجرد مظاهر أو تجليات الإله، ولذلك الناس الذين تأثروا وعبدوا العجل، ما الذى جعلهم يعبدوا العجل؟ كلنا نضحك اليوم على هذا ونقول هل العجل إله، وبنو إسرائيل أيضا عندما خرجوا من أرض مصر عبدوا العجل، أصل الفكرة نبتت فى عقول الناس، من دون الوحى لكن بالفكر الإنسانى، رأوا فى الثور رمز القوة، وفعلا أنه أقوى الحيوانات، رمز القوة، فقالوا لابد أن قوة الله فى هذا الكائن، إذن العجل هو تجلى للقوة الإلهية، فالناس مع الجهل أقروا أن هذا العجل فيه قوة الله، ثم بالتدريج عُبد كإله، لكن لا يمكن أن يكون الأصل أن الثور أو العجل هو الإله خالق الكون، إنما قالوا أن فيه قوة إلهية أودعت فيه، ومع الجهل والأيام عُبد كإله

إذن الإنسان من الأصل يعلم أن الله واحد. وأنه مجال التجليات والمناظر والصفات التى تتجلى، صفات الله ذاته تتجلى فى الحيوانات، لكن ليس هى الإله الحقيقى، إنها بعض مظاهر الإله، بعض صفات الإله تجلت فى هذه الكائنات، ولذلك أكرموها، لا كالإله الحقيقى  الواحد الأحد، ولكن كشىء معبر عن الإله الواحد، وكمظهر وتجلى للقوة الإلهية فى هذه الكائنات

لكن هناك فيلسوفاً هو فيثاغوراس وهذا كان قبل مجىء المسيح بنحو 400 سنة تقريبا، كتب فلسفته وأقامها على العدد، وقال أن كل الأرقام تعود إلى الواحد، عندما نقول 2 تعنى واحد + واحد، وعندما نقول 3 تعنى إثنين + واحد إلى آخره، حتى نصل لعشرة وهى أيضا واحد وعلى يمينها صفر، وعندما نزود 11 ، 12 ، حتى نصل إلى عشرين، وهكذا، إذن كل الأرقام وكل الأعداد تعود للواحد، وهذا يشير إلى أن أصل الوجود هو الواحد وهو الله

ومن هنا ففى هذا العالم الذى سميناه العالم الوثنى من قبل تجسد المسيح ، هذا العالم الوثنى أدرك بأن الله لابد أن يكون واحداً، وأن الواحد هو أصل الوجود. ولذلك يُوصف الله بأنه الواحد وعلى أساسه كل الوجود

وإلى جانب هذا الكتب المقدسة، أكدت ووكدت وقررت وأعادت مئات المرات أن الله واحد، ولا يمكن إلاّ أن يكون واحد، فالله الأصل، أصل الوجود واحد، خالق الوجود واحد

فى مرة واحد سألنى سؤال:
إذا كان الله هو الذى خلق الكون، فمَن قبل الله؟ 
قلت له إذا كان الله الذى تتكلم عنه، يوجد واحد قبله فلا يكون هو الله. قلت له مثلا فى قطار السكة الحديد، العربة الأخيرة مَن الذى يجرها ؟ التى قبل منها، والتى قبلها مَن الذى يجرها؟ التى قبل منها حتى نصل للعربة الأولى التى نسميها القاطرة، هى التى تجر الباقى، تقول لى مَن الذى يجرها؟ أقول لك لو كان هناك عربة أخرى تجرها فلا تكون قاطرة، بل تكون مقطورة، أما كلمة القاطرة فلا تقال إلاّ عن العربة الأولى، فالوجود إذا كان يوجد فيه أحد قبل الله ، إذن هو ليس الله، فالذى تتكلم عنه وتقول مَن قبل منه، هذا لا يمكن أن يكون هو الله، لكن لابد أن نسير فى سلسلة، إلى أن نصل إلى الكائن الأول الذى أوجد غيره ولم يوجده آخر، هو الذى أوجد ..

لذلك عندما تقول العامة كلمة "ربنا موجود"، هذا تعبير لابد أن نحترس منه، إلاّ إذا قلنا أن الله هو الموجود بذاته، لكن نقول موجود ونصمت هذا التعبير العام الذى يقال "ربنا موجود"، موجود اسم مفعول ، أى أنه يوجد أحد أوجده، إلاّ إذا قلنا الموجود بذاته، أى لم يوجده أحد، هو الذى أوجد غيره، ولم يوجده غيره، فإذن الله واحد، وواحد أحد.

ورد فى موسوعة موضوعات وإجابات على أسئله متنوعه .. الجزء الثالث  –  رقم (53)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بدعة كيرينثوس

مكانة المرأة في الخدمة الكنسية والحياة النسكية – د. سعيد حكيم

أسئلة عن تلاميذ السيد المسيح